مقال: يحي رياني
( ١ )
هاهو ذا .. يُطلقُ نظرهُ في المساحات الواسعةِ ..
إلى هذه الجبال المتراميةِ ..
في نحو عشرين عاماً .. قضاها من عمره .. بين التلال والهضاب .. في الأمسيات والعصاري ..
بين والشٍ وطارقْ ..
ربما هذه آخرُ ليلةٍ يقضيها في الجَبلْ..
غداً عند السادسة صباحاً .. سيكون في موقفِ "صبيا "
تيممُ ركابهُ ناحيةَ "الرياض"
شأنُ المئات من أقرانهِ ..
-خلك مثل فلان وفلان "تِسبعْ " " دور لك نفعة "
( ٢ )
انقضت ليالي الطيش .. وأيام المرح .. وسُنيات "السَفهْ" كما يقولون ..
جاء قرار السفرِ عاجلاً .. ككلِ شيءِ في الجبل يأتي عاجلاً وبلا مقدمات ..
المطر ، الزواجات ، الأهازيج ، وحتى الوفيات
غدا صباحاً .. يلقي النظرة على مسارح الصبا .. ومراعي الغنم .. والمسالك التي يركضُ فيها لغير وجهةٍ .. مرحا .. فرحا .. يسابقُ النسيم ..
ربما هو يستمعُ الآن .. لأغاريد الطير العائدة لأعشاشها .. وغناؤها يتردد بين الجبال
-ينظر للمكان الذي .. تعود منهُ " مريمْ " بأغنامها ..بينما هو منشغلٌ بترتيب " حُفته " وتثبيت " مقصب " الرصاص .. تحت إبطه " مزمار " مبحوح
يروضُ به نبضاتِ من يحبْ.. ويكسبُ بها معركة من يلتفتُ أولاً
(٣)
لم ينسَ مواثيق الهوى .. وعهود الحبِ .. التي قطعتْ في ساعةِ مصارحة .. ومحال أن تنقض
لأن النفوس الجنوبية الجبلية .. كبيرة .. شأن جبالها .. لا تتزعزع ولو مر دهرٌ عليها بما مرْ
وداعاً .. صوت الشياهِ .. والشَ الرعاة.. ليالي السمر تحت نجوم السماء
وداعاً .. عطرَ جدتي .. راديو أمي .. نبرة أبي الخشنة .. حناء أختي .. عناد أخي الأصغر
رشفة البن الخولاني .. في مقتبل الصبح الباسم
بسمة الوردِ الأولى .. المبللة بالندى
وداعاً .. شتاء الجبل البارد .. دوي الرعد .. دفء الضباب
وداعاً " مريم " الحب الأبدي .. سأعود لك ذات يوم.. بما وعدتكِ به .. وأنا عند وعدي..
نسيت .. وداعاً أيها الجبل .. بكل مافيك
(٤)
لم يبك .. على تزاحم العبرات .. على أن قلبهُ يتقطعُ ألف مرة ..
لايليق بأهل الجبال أن يكونوا ضعفاء ..
ولو بكى .. فلا تثريب عليهِ .. فقد بلغ من الشجى مبلغاً
لن يسمعهُ أحد.. فالبيوت متباعدة .. والجبال تحفظ السر.. ما ضرهُ لو بثَّ لواعجهُ في نفخة مزمار .. ولحن " طارق جبليّ "
أبى إلا أن يكون جبلياً عتيقاً .. حتى في ذروةِ مشاعره الشجية .. حتى وهو وحده
-السلام عليك يا قريتي الوادعة .. في ثنايا الجبال .. النظرة الأخيرة عليك .. يا "ردوعَ " ال ....
لم يكمل .. نزلت دمعتان أخيرا .. وغربت الشمس .
-يحيى رياني
الأحد -٢٠ شوال ١٤٤٠هـ.