محمد الرياني
ربما كنتُ الوحيد الذي حضر على رائحة السيل ، الناس حملتْ معاولها للسقيا وأنا اكتفيتُ بحمل ذاكرتي ، منظر السيل وهو يجرف كل شيء أمامه يُشعر برائحة التراب القادم من كل مكان ورائحة الأشجار التي رافقته مُحبة وكارهة وذاكرة الأموات الذي كانوا أحياء يوما ما ينتظرون هذا القادم من رؤوس الجبال ، يمهدون أمامه كل عائق لينتشر في كل مكان ، سُئلتُ وقد جلستُ أتأمل حركةً غير مألوفة عن المسحاة والأرض ، لم أجد جوابا لأني تركتُ الأرض للهراوات كي ترتفع إذا دعت الحاجة ، مرة تضرب في الأرض ومرة عند الغضب، ولمساحات بعضهم أن تمتلىء رغم أنف الكادحين ، حلقتُ ببصري في السماء بعيدا عن منظر الأرض، سحابة في السماء تملأ الفضاء كما السيل يملأ الأرض ، غدا ستنزل إلى الأرض بتواضع لتكسر غرور المتكبرين ، تملأ مساحات الدراويش من علو قبل أن تنزل على الفيافي وعلى القفار كي تملأ الحياة سعادة ، ارتفعت الشمس وأنا أستنشق رائحة السيل النادرة وأتمتم بعبارات الشجن ، غادرتُ المجرى، كان السيل قد شقَّ ذاكرتي ، رأيت صورته في وادي جمجمتي الصغيرة وهو يتجه غربا بسلام مثل عملاق مسالم لايتفوه بكلمة نحو الجمهور المسكون بقلق الانتظار ، عندما وصلتُ للراحة سألوني عن السيل ، تنفستُ كثيرا كما لم أتنفس ، تذكرتُ الذين رحلوا ليتركوا الأرض كي تخضر وتتزين ، الأرض تفرح والأحياء يتنافسون .